وانا امتياز في راوند الجراحه .. دخل شاب وسيم
وانا امتياز في راوند الجراحه ..
دخل شاب وسيم طول بعرض ، تمتلئ يديه بالډماء ، يمسك في يديه كل مناديل الدنيا
كل الاستقبال يتجه اليه ..ايه اللي حصل ؟!!
""قفل على ايدي باب الميكروباص وطير عقله صباعي، بس انا جبتها معايا في المنديل ده""..وسكت ورأيته يتمتم بالحمد لله مرارا وتكرارا.
الولد في منتهى الهدوء ، وجهه شاحب جدا لكنه مازال متزنا
الاصبع الاوسط في اليد اليمنى يخرج منه عظمه صغيره مهتك ما حولها والاصبع الذي يجاوره قُطّع اللحم الذي يعلوه لكنه مازال اصبعا كاملا..
نظر النائب حوله لم يجد غيري انا وطبيبه ( كان استقبال الجراحه وقتها الشيفت النهاري تأخده البنات والليلي للشباب) والباقي في حالات فزع واغماء من المشهد
وأخد يضغط على الاصبع لوقف الڼزيف ، وقال له: اسمك ايه؟
أحمد
انت في كليه إيه يا أحمد؟!!
تجاره
في سنه كام ؟
تانيه
"بص يا احمد ..احنا هنحاول نركب العقله ..بس مكذبش عليك ده احتمال ضعيف اوي"..
الولد يمسك يديه وظل يقول الحمد لله ...
اختار ان اكلم اخته ..ونظر لي بمنتهى الامل قائلا :
هي العقله ده ممكن تتخيّط؟!!!!
"إنّما الصبر عند الصدمه الاولى" ، سيبها لله"
في اقل من ساعه كان اتحول قسم جراحه التجميل
انتهى الشيفت وكان لايمكنني التأخر ، ولكني اريد ان اعرف ماذا حدث لهذا الشاب ؟!
تاني يوم اوّل ما جيت سألت عنه ،
خيط العقله ؟!!
طبعا لا
وانا في البنك من كام يوم
السيستم وقع كالعاده...لكن وأنا قاعده مش لسه الدور هييجي عليا ..انتظرت كثيرا امام موظف البنك
مينفعش يا فندم تقومي قبل ما ننهي المعامله.
كنت سرحانه وباصه للمكتب ،
فجأه لقيت الموظف بيقوللي : طب انا هاحكيلك حكايه ظريفه عقبال السيستم مايرجع
شايفه ايدي ده طبعا ...(الراجل افتكر اني ببص على ايديه في حين اني كنت سرحانه في اتجاه المكتب).
ياريت كان حد صورني في اللقطه ده!!!!!!
رفعت وجهي في ذهول ،اتسعت حدقت عيناي، ضربات
قلبي اصبحت سريعه وكأني مش مستوعبه او في حلم ،مش معقول، الف مره مش معقول .!!!!!!
وهو مش باصصلي ، عمّال يحكي وبيرتب الورق وبيدبّس ورق المعامله اللي قبلي ومسترسل في الحكايه...
"ورحت المستشفى جَرْي ، قابلني هناك دكتور الطوارئ ومعاه دكتوره صغيره" ..( اكتر حاجه تهوّن عليك في مهنتنا ده ، تسمع شكر العيان فيك بظهر الغيب)..
"كلِّمت اختي وجابتلي عصير ودعيتلي ، كانت مستغربه إنّي قلت الحمد لله على طول ، هي لو تعرف انا ليه قلت كده!!
لما والدي اتوفى قبل الحاډثه ده بسنه ، اوّل كلمه قالتها امي ..الحمد لله لو مكُنتش عارف أد ايه امي بتحب والدي ، كنت قلت مستنيه مۏته ، تصلي وتقول الحمد ، تبكي وتردد الحمد لله في كل حال"...
-لقيت نفسي بقاطعه وبقوله : إنت ليه مروحتش التخصصي ؟!! (سؤال كان نفسي اساله ليه وقتها)
سكت
انا ملحقتش افكر ، بس السواق سألني معاك فلوس قلتله لا ،وصلني الدمرداش ...الحمد لله انه عمل كده اخويا كان عامل حاډثه بالعربيه بتاعت بابا الله يرحمه قبل ما ادخل المستشفى بيومين ودشدشها ، وامي اللي كانت بتروح للميكانيكي وتشوفها ، واختى معاها 128 خليتها تجيلي المستشفى، انا مكنتش عايز اكلف امي اي فلوس ، بس انا مقلتش لحضرتك في الاول انا رحت انهي مستشفى؟!!!!!!
ارتبكت ..معلش آسفه اني قاطعتك ..كمّل
"مش هاكذب على حضرتك ،انا كنت شاب حاسس بنفسي جدا ، كنت مقطع السمكه وديلها زي ما بيقولوا وكانت ليا شعبيه كبيره اوي في الكليه ، لما صباعي اتقطع ، اتهزت ثقتي بنفسي ، كنت بامشي على طول حاطط ايدي في جيبي، انا كنت راضي والله بس حاسس ان بقى عندي مشكله ، بطلت اقف في الكليه من غير لازمه ، ارّوح بعد المحاضرات على طول منزلش ايام كتير ، وفي اصحاب بعدوا من حواليا وشعبيتي قلت.
قررت اشتغل في الصيف عشان اجيب طرف العقله الصناعي ، كانت وقتها غاليه اوي ومفيش بدائل وحاجات من الصين زي دلوقتي وكفايه على امي مصاريف كليتي ،
اشتغلت في محل ملابس كبير في عباس العقاد ، مدير الفرع اټخانق معايا في الاول ، عشان ايدي اللي مبتطلعش من جيبي ، وقاللي ده الاطه على الزباين ، ولما عرف.. عذرني
وفوجئت في آخر الصيف صاحب المحل جاي يديني فلوس العقله الصناعي ..مدير الفرع حكاله ،وطلب مني أكمّل شغل في الدراسه وقاللي هيخفف عني الايام وهيديني اجازه فتره الامتحانات كمان ....وفعلا كمّلت سنتين لحد ما اتخرجت من الكليه ، كان بيحبني وبيثق فيا وبيستأمنى ،حسيت ان ربنا لما اخد والدي بعته ليّا ، لما اتخرجت قلتله اني هامشي، لازم اشوف شغلانه تانيه ..كلملي حد من اصحابه عشان اتعين في بنك
حدفوني في فرع جديد ،اتعينت في فرع 6 اكتوبر وده بعيد اوي عن بيتنا وكمان مكنتش عَمَار زي دلوقتي ، بس كنت شايفها فرصه مش ممكن تترفض..واشيل هم من على امي واختي واساعدهم، حجزت شقه هنا وربنا اكرمني ببنت الحلال اللي عمرها ما اهتمت بشكل ايدي لدرجه اني بطلت أحط الطرف الصناعي ..
انا من ساعه الحاډثه وحاسس ان كل حاجه ربنا هو اللي بيمشيها ، عمري ما كنت اتخيل ان والدي ھيموت وانا في الجامعه! ،صباعي هيتقطع!! ،هاشتغل وانا طالب!! ، حاجات عمرها ما جت على بالي ....
بتسأليني مروحتش التخصصي ليه ؟!! كانوا هيركبوا العقله يعني!!!
يمكن لو كانت ركبت مكنتش هابقى قاعد على المكتب هنا ، وابقى تاني اهم موظف في الفرع ده
اقولك على سر ...انا لسه معايا العقله اللي اتقطعت شايلها في دولابي
رحت المشرحه وجبت فورمالين واحتفظت بيها ، عشان ده العقله اللي غيرت حياتي
ابتسمت وعيناي ممتلئه بالدموع وقلتله اقولك انا كمان على سر :
انا الدكتوره اللي كانت في الاستقبال ، "إنّما الصبر عند الصدمه الاولى"
خرجت من البنك وانا مفيش في بالي غير آيه في سوره الاعراف «قل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ »
إن قيامنا وأمرنا ونظامنا بِطوْل ربِّه ومُنّته ، وبدون حول منّا ولا قوه، ولو كان الامر بمرادي ولم يكن بِيَد غير قيادي
لتشابهت احوالي في اليسر...
وتشاكلت اوقاتي في البعد عن العسر ...
اللهم لك الحمد والشكر
منقول